المقالات
نحو كهف الشجعان من مقدمة الرواية
 
بقلم:گەلاوێژ
اعزائي القراء، اود هنا أن أروي لكم نبذة عن مضمون الجزء الاول من رواية (نحو كهف الشجعان) لكي تتمكنوا من ربط الجزئين معا.
ان القسم الاول من رواية (نحو كهف الشجعان) يتناول الزمن الذي قام فيه الجيش العراقي في 14 تموز 1958 بثورة ناجحة بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، فأسقط النظام الملكي، حيث عبر الشعب العراقي عربا وكوردا عن فرحته بتلك الثورة، وساندها الجميع بالمال والروح، ومنذ اليوم الاول من انبثاق الثورة ارسل الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي كان الحزب الكوردي الوحيد برقية بأسم جميع الكورد تعبيرا عن اخلاصه ودعمه لتلك الثورة المباركة، وقد شرع قادة البارتي مباشرة بتشكيل الوفود من جميع مدن وقصبات وقرى كردستان للتوجه الى بغداد لابراز الاخلاص والدعم لتلك الثورة وقادتها خاصة للزعيم عبدالكريم قاسم.
لقد شمخت رؤوس ابناء الشعب العراقي بعربه وكورده واقلياته القومية بالثورة وانتعشت آمالهم، فالتفوا حولها وترصدوا تحركات المناوئين والمتضررين بكل حيطة وحذر، لا سيما السائرين في ركاب النظام الملكي البائد، والعملاء المأجورين من صنائع الدول الاجنبية.
بدأت ثورة 14 تموز فورا باطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وتعهدت بمنح الحريات للشعب وتطبيق الديمقراطية. وجراء ذلك منحت اجازة ممارسة العمل العلني للاحزاب السياسية، ومن ضمن تلك الاحزاب كان الحزب الديموقراطي الكوردستاني الذي منح الاجازة الرسمية لممارسة النضال والنشاط السياسي علناً.
وكذلك ثبت لاول مرة من تأريخ الدولة العراقية الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي في الدستور المؤقت، ونصت المادة الثالثة على (يعتبر العرب والكرد شركاء في هذا الوطن ويقرر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية).
لقد دب الفرح والانشراح والنشوة في صفوف الكورد، وعبروا عن سعادتهم بانتصار الثورة وتقدمها الى حد كبير، وقد فتح البارتي مقره في بغداد، وأصدر جريدته المركزية بأسم (خةبات) حيث منح الزعيم عبدالكريم قاسم إمتيازها للاستاذ (ابراهيم أحمد) الذي كان حينذاك سكرتيرا عاما للحزب الديمقراطي الكوردستاني.
شرعت جريدة (خةبات) بالصدور باللغة العربية، وغدت إحدى الصحف الذائعة الصيت في العراق، اذا كانت تنفد في السوق معظم الأحيان قبل الصحف الأخرى لإقبال القراء عليها، وكان العرب ينهالون على شرائها قبل الكورد بحكم كونها تنشر الافتتاحيات القيمة والموضوعات الهامة التي تعبر بشكل مباشر عن مشاعر وأحاسيس ورغبات وتطلعات وأماني الشعب والوطن وجماهير كوردستان والعراق بأسلوب وطابع تقدمي مفعم بالرفعة والسؤدد والتوجه الإنساني المبني على الصداقة وحب السلام والوئام.
لكن لم يمر وقت طويل فاذا بالعرب الشوفينيين، والذين لم يرق لهم الوضع الجديد، قد هيأوا انفسهم لتصدي الثورة، الا أن الجيش والشعب العراقي عربا وكردا تمكنوا من خلال فترة قصيرة القضاء على الحركات المضادة والمحاولات الانقلابية، وكان أكبر انقلاب هو انقلاب (عبدالوهاب الشواف) في الموصل الذي دبرها بعد مضي سنة ونصف على ثورة 14 تموز، فسحق من بكرة ابيه بقوة سواعد الكورد.
ومن جانب آخر دب الخلاف والنزاع بين قادة الثورة أنفسهم، وجراء ذلك تمت تنحية وابعاد البعض، وأخذ كل شخص يحاول تعزيز مركزه وكسب المؤيدين والمحسوبين اعتمادا على الاقارب وأبناء العشائر.
كما ان عبدالكريم قاسم نفسه والملتفتين حوله أخذوا تدريجيا يخامرهم الشك والريبة من قوة وحدة الكرد والتوسع الوحيد له (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) خاصة حينما انبرى لهم في الساحة كثير من الفوضويين والمتهالكين على الطعام والمتملقين المتزلفين، فهم أوغروا في صدر عبدالكريم شكا أكثر من الكورد، او بالاحرى هو أيضا تعجرف وتباهى بنفسه أكثر، بعد أن ثبت مركزه، وقضى على مناوئيه، ظهر عنده التعصب العرقي، وتصور أنه لا يبالي بأحد ولا يحتاج الى دعم الكورد له، لذلك بدأ بتوجيه الضربة، حيث شرع في البداية بقادته وأصدر الاوامر لاعتقال البعض منهم، موجها لهم تهما وخطايا باطلة وكاذبة وملفقة.
وأصدر قبل الجميع امر اعتقال الاستاذ ابراهيم احمد الذي كان السكرتير العام للبارتي- على ما أظن كان يحبه كثيرا وكان من المتقدمين والمقربين عنده- بتهمه انه قتل في طريق شقلاوة أحد رؤساء العشائر الموالية للحكومة ولم يكتف بذلك، بل دبر لكل واحد من القادة الآخرين شيئا ملفقا مثل شتمه الحكومة في المجالس وبين جماهير الشعب، والغضب من الضباط والمسؤولين والحكومين وضربهم، وأكثر من تلك الانواع من الأكاذيب والافتراءات التي لا أساس لها من الصحة،اثر ذلك لجأ الى اغلاق مقر البارتي والاستيلاء على جميع الاثاث والمطبعة ومواد اصدار جريدة (خةبات)، كما اغلق ايضاً صحيفة خةبات في بغداد، ثم شملت الحملة مدن وأقضية ونواحي وقرى كوردستان فيما لو تمكنوا من الوصول اليها، وبعد ذلك بدأوا بمشاجرة ومشاكسة أهالي كوردستان من أصحاب الدكاكين والطلبة والموظفين الكورد، لذلك أخذ الكورد بأعداد أنفسهم واختفى العناصر البارزة في الحزب عن الانظار.
عاد البارتي ثانية الى العمل السري وعقد الاجتماعات واصدار البيانات والتوجيهات وتوزيعها على الاعضاء والمؤيدين وجميع أبناء الشعب.
لقد انكشفت نوايا النظام أكثر فأكثر، حيث أنه بدأ بزج قوات كبيرة في مدن كوردستان، وجراء ذلك تصدت لها العشائر الكوردية، وبدأ القتال، على الرغم من أن القادة التقدميين في البارتي ماكانوا راغبين الشروع بالكفاح المسلح في وقت مبكر، لان الوقت لم يكن موائما، حيث كان الكورد دون سند ودعم حينذلك، الى حد أنه لم يكن يمتلك حتى السلاح، بأستثناء عدد من بنادق البرنو التي كانت ملكا خاصا لاشخاص اخفوها هنا وهناك، لكن القادة الذين ما كانوا يحبون خوض القتال في مثل تلك السرعة الا انه خوفا وتفاديا من ان يدب الخلاف والشقاق في صفوف البارتي، دون ان يعرفوا الكفاح المسلح وبلا موارد، التجأوا الى الجبال نحو الكهوف الجذابة الخلابة في كوردستان الحبيبة الجميلة، وهناك شكلوا الجيش الثوري الكوردستاني من القادة والاعضاء ومؤيدي البارتي، حيث كان من بينهم أشخاص لا يعرفون أكثر من حمل القلم شيئاً آخر، فكيف بالندقية أو شئ من هذا القبيل يا ترى؟ أطلق على القوة المسلحة التي شكلت (پيشمه رگه ى كوردستان).
يتضمن الجزء الاول من رواية (نحو كهف الشجعان) الحوادث والوقائع التي تدور حول عوائل كانت لها نشاطات حزبية، وهن يلتحقن بالجبال اسوة بالناس الآخرين خوفا من القاء القبض عليهم والتنكيل بهم من قبل السلطات الحكومية، إن عائلتي شخوص الرواية عبارة عن بيت (حه پسه خان) وزوجها جاجي مجيد وابنيهما المناضلين (حسين وعلي) وبنتهما (صبرية المعلمة المناضلة وصبية ذات خمس عشر سنة اسمها روناك).
أما العائلة الثانية فيه بأسم (آمه خان) التي هي أخت (حه پسه خان)، وزوجها كاكه حاجي الذي هو أيضا اخو حاجي مجيد أي ان اختين تزوجتا اخوين.
كان لآمه خان و كاكه حاجي ابنان مناضلان بأسمي (نةورؤز و بةختيار ) وبنت وحيدة تسمى (نةسرين) وهي ترب بنت عمها وخالتها صبرية، وهي أيضا معلمة ثم تتزوج ابن خالتها حسين الذي هو ابن (حه پسه خان)، كما ان صبرية تتزوج شيروان الذي هو مناضل عنيد نشط وصديق اخوانها ورفيق درب كفاحهم، وروناك الصبية الوسيمة، بعد فترة من الحب الطاهر البريء الهادئ مع بيستون الذي هو من أهالي ماوةت، وصديق ورفيق درب نضال اختها واخويها- تصبح شريكة حياته، حيث كان منهمكا بالدراسة والكفاح في السليمانية.
كمان ان توفه الذي هو بمثابة أخ لـ(حه پسه خان)، وقد ترعرع وكبر منذ الطفولة مع هاتين الاختين، كونه يتيم الوالدين منذ الطفولة، فيتلقى العناية والرعاية من قبل والدي (حه پسه خان) وامه خان.
يضخ توفه دفئا وفرحا في هذه الرواية، لانه سليط اللسان جدا وصريحا وحين يحتد يشتم جميع افراد العائلتين، وإن كلتاهما تحسب الحساب للسان توفه، ويقبلون منه كل شيء ويدللونه، لانهم يحبونه كثيرا، وهو بدوره أيضا يحبهم كثيرا، ويكرس توفه حياته لخدمة وحماية العائلتين واطفالهم، لذلك فانه قوي ومدعم في جميع تصرفاته وتحركاته وكذلك فانه جدا نفاخ ومتبجح وكذاب، عليه قارئي الكريم فان الجزء الاول من رواية (نحو كهف الشجعان) يتضمن من تلك الاحداث التي قدمت لك نبذة منها، يحدوني الامل ان يحظى بقبولك ويسترعي نظرك نحو ذلك الزمن، ومع هذا أود أن أكرر بأن هاتين العائلتين بأبطالهما وشخوصهما الذين يتحركون ضمن سياق الرواية، فان الجزء الثالث لها معد للطبع وسيرى النور قريباً. (طبع الجزء الثالث ايضا- المترجم).
أقول ان هاتين العائلتين من نسج خيالي وليستا من الناس الحقيقيين، ولايتصور احد اذا ما شبه اسم احد بعض الاشخاص، فأنه هو ذلك الشخص، وحتى اذا ما شابه اسم شخصا فانه مجرد صدفة فحسب، حيث ان الاحداث نبعت من ظروف ذلك الزمن بشكل عام وقد شاركت في قسم كبير منها بنفسي وعشت فيه، ولكن ان هذه الرواية لاتمت بي ولا بأي شخص من عائلتي بصلة بأي شكل من الاشكال فان جميع الشخصيات الواردة فيها خيالية.
قارئي الكريم، أستميحك عذرا لهذه المقدمة المطولة الا انني ارى من الضروري أن أوضح لك بأنني في القسم الثاني من ملحمتي، تناولت حرب الاخوة الاعداء التي ترتبت عليها المآسي والفجائع، لم أكن أنوي نبش الماضي ولا ايلام الجروح القديمة بالعكس كنت أنوى أن أبين للقراء الكرام مأساة قتل المئات من پيشمه رگه الكورد الابطال من الطرفين عبثا، وتصدع أساس الثورة، وكيف كانت الحكومة تؤلب هذا الطرف على ذلك وينشرح صدرها حين كانت ترى ان الكورد المناضلين على ما أظن اشعلوا نيران الثورة من أجل تحرير امتهم من ظلم وطغيان الاجنبي وانتزاع حقوقها المشروعة، تحولوا الى الاخوة الاعداء، وأخذوا يحققون ليست أماني الحكومة العراقية، انما الحكومات المحتلة لكوردستان.
اردت ان أعبر بهذا الشكل، بأنها ليست ثمة أي كارثة من تأريخ كفاح امتنا أن تكون على قدر من اقتتال الاخوة أشد فاجعة وتحطيما وتدميرا وتثبيطا لارادة ومعنويات الجماهير واسعادا للعدو ويجوز ان ننساها، بينما للاسف الشديد لم يكن كتابي تحت الطبع بعد، حين اعدنا التأريخ وكررناه، واستؤنفت حرب الاخوة الاعداء في كوردستان، وقد قام الكورد بتصفية احدهم للآخر.
ثم متى وفي أي وقت وظرف تستأنف؟ حيث ان القسم المحرر الذي كان مالك الحكم الفيدرالي تحت سلطة برلمان كوردستان وحكومة كوردستان، هذا الجزء الذي تعهدت الدول الامريكية والبريطانية والفرنسية بحمايته من اعتداء نظام بغداد!!
في الوقت الذي حلت فيه تلك المأساة المؤلمة بشعبنا الصامد، لكارثة حلبجة الشهيدة والانفال وانتفاضة ما بعد حرب العراق والكويت، خدم الاعلان العالمي القضية الكوردية وحولها الى احدى القضايا الدولية الهامة، حيث بدأت الجمعيات والمنظمات الخيرية من جميع انحاء العالم بمد يد المساعدة لنا بالمواد الغذائية والملابس وتعمير البلاد والدفاع عنا على قدر كبير، اذ أن الكثير من شعوب العالم كانت تحسد علينا، أذن بالله عليكم يا ناس، اسمعتم في أي وقت ومكان وبين أي مجتمع مناضل احداثا اكثر ضررا وخسارة وتدميرا من الاحداث الحالية في كوردستان، بل أكثر خجلاً وشنارا!! والى الآن فان مشاهد الاطفال النواعم والبنات اليافعات والاحداث الارقاء، والعروسات الحسناوات، والشيوخ والشباب والمختنقين بالغازات السامة في حلبجة الشهيدة لم تمسح من ذاكرة العالم، بينما سرعان ما نسيناها، ونكاد نضيع المكاسب التأريخية التي لم تكن تخطر ببالنا حتى في المنام، ونفضح انفسنا عند الذين يأخذون بأيدينا ويحموننا.
لذلك فان المهمة الاولى الواقعة على كاهل كل كوردي مخلص هي السعي والكفاح، وليس صب الماء على نار هذه الاخوة الاعداء وحدها بل استئصال دواعيها من جذورها، ويجب الا يدعوا في أي ظرف ومناسبة وتحت طائلة أي ذريعة وبأي ثمن أن تعاد مثل تلك المآسي والكوارث، فلنأخذ جميعا الدروس والعبر من التأريخ، لا ان نكون عامل مساعد لتكرارها.