المقالات
گەلاوێژ وتجربيبة الرواية
الأستاذ الدكتور ظاهر لطيف كريم

طالما كانت الرواية في اوضح تعريفاتها واكثرها شيوعا تعبيرا نثريا بلغة الحياة وإن أعمال گەلاوێژ القصصية والروائية تحمل ثلاثة جوانب أساسية وهي الجانب اللغوي والجانب الموضوعي والجانب المضموني.ففي الجانب اللغوي فانها تركز على صورة حياة الناس في المجتمع الكردي وعلى وجه الخصوص في الصوت واللهجة ووسائل التعبير حسب الطبقات والمكونات الأجتماعية.من هنا فلا غرابة في هذا الأستخدام والفهم لأن همها ( گەلاوێژ ) الأساسي هو التوصيل وبناء المكون الثقافي والفكري والأنساني للذوات بصورة عامة والذات الكردية بصورة خاصة.أما في جانبها الموضوعي فأنها تركز على تجربتها السياسية والأجتماعية والفكرية وعلاقاتها بواقع المجتمع .فهي في هذا المجال اعتمدت على فعل التناقضات وصراعات الذوات والطبقات على مستوى الفكر والسياسة والأجتماع.هنا فأن العلاقة تتمخض بين الموضوع الروائي وبين طريقة الحياة.أو بين موضوعات الحياة والقصديات الأصلاحية والفنية وابراز معالم الفجوة بين الذوات في طبقاتها الأجتماعية.وقد شهدت العقود الخمسة الأخيرة تحولا خطيرا في نمط الحياة الكردية،سياسيا وثقافيا واقتصاديا وذلك بفعل المؤثرات الخارجية والنزاعات الداخلية.ثم ان هناك فواصل مكانية من حيث التفكير والبناء  والرؤية.وهذا بسبب الخارطة السياسية التي فرضت نفسها،منذ زمن بعيد، على الأمكنة بأختلاف حدودها الجغرافي ،حيث انتشار الظلم والحرمان والفقر في معظمها.ففي الجانب المضموني فأننا نجد بأنها تهتم بقضايا انسانية وسياسية وفكرية.وهذا بحد ذاته يدخل في صميم الوظيفة التأريخية.والقصد من هذه الوظيفة هو ليس اعادة او تسجيل الحقائق التأريخية ونقلها الى القاريْ كما هي،بل انه تسجيل الوثائق الحياتية في اطار الأحداث والشخصيات والزمان والمكان وحسب معطيات العصر.وقد اتخذ القص الكردي في البداية طابع التوجيه الأخلاقي والتعليمي مع نزاعات فنية معبرة عن مستواه الفكري والموضوعي كالرومانسية وأسلوب المغامرات وبعض قضايا اجتماعية محددة.وهو أمر كان يغني ضعف مفرداته الفنية من الأحداث والشخوص والحوار والزمان والمكان.لكن هذه المفردات عند گەلاوێژ بدأت تنضج حين تضعها في الواقع ومن ثم اندماجها بالوعي الثقافي والنقدي والفني الحديث في تحليله للحياة السياسية والأجتماعية.كل هذا من اجل تعديل الأتجاهات ونشر بذور العدالة الأجتماعية بين الذوات وانهاء مشروع الطغيان الفكري والسياسي.
في نظري الخاص،ان ابرز صفة لكتابات گەلاوێژ القصصية والروائية هي جرئتها في الطرح وصدقها بالتعبير وعلاقاتها بالأحداث والشخوص وصولا الى تجريبية الملاحظات والمتغيرات وطرق الأستدلال لكل حدث من احداث موضوعاتها .وهذا يدخل في صميم العملية التطبيقية التي تستند الى المعرفة البديهية كما اشار اليها جون لوك (1632 – 1704).وهي عملية افتراضية على اساس الحواس.بهذا ان الفلسفة التجريبية هي مناقضة تماما للفلسفة العقلانية لكنها قريبة جدا للفسفة الوضعية التي تؤكد بأن المعرفة هي نتاج للتجارب والأحاسيس .كل ذلك من أجل تحقيق قرارة الحاضر وبناء المسقبل .لهذا أن أبطال رواياتها نابعة من الواقع لأنهم ،بجانب الراوي الذي هو گەلاوێژنفسها،يعلمون كيف يسجلون الحقيقة التأريخية للأحداث وذلك بفعل معايشتهم للموضوعات.من هذا المنطلق فأن طلاويَز تحاول الأبتعاد عن فعل التجريب الذي يسعى الى تجسيد افعال محددة داخل مفهوم الرواية السائد بل انه يعبر عن ذوق شخصي في التأليف والبناء أو أختيار الموضوع وهو عند النقاد يسمى بالفعل الذاتي.فبدل هذا اختارت التجريبية التي تقوم على احداث متنوعة وكلية في الموضوعات .ان احداث التجريبية لاتتناسب مع شكل الرواية التقليدية بل تستثمر الواقع بمتغيراته المختلفة.من هذه الزاوية فأن روايات گەلاوێژ تتسم بأثارة الأسئلة المتعلقة بموضوعاتها وأبنية أحداثها وحوارها ولغتها.بل اكثر من ذلك الى سرديتها.وهذا يعني ان تجريبيتها هي تربط الموضوعات بمضامين ومسارات السرد والفنتازيا.لهذ ان الحدث عندها ينقسم الى مشاهد وفصول وان تحديد وترسيم الشخصيات في غاية الأهمية لأنها،كم ذكرنا انفا، تتحمل مضامين الموضوعات ونتائجها النهائية.بمعنى اخر،ان گەلاوێژ استطاعت ان ترفع حواجز الشخصيات من حيث النوعية والأشكال كالشخصيات الرئيسة والثانوية والهامشية.وهذا مايسمى بتداخل الشخصيات في التصرفات والصفات حيث تتخذ شخصية ما صورة شخصية أخرى كما نجد، على سبيل المثال، في رواية" كنة اته خان" اذ نجد ان شخصية الأم (اته خان  ) اجتماعيا وعقليا وثقافيا هي شخصية البنت ( بخشان  ).او أن شخصية الأبن ( حسن )الذي درس في انجلترا وحصل على الشهادة العليا هي شخصية الزوجة (جيني  )وهي بالأصل انجليزية وتزوجت ب (حسن  ) في انجلترا ورجعوا الى كردستان من اجل الأستقرار الدائم.هذا ليس فقط على مستوى الشخصيات بل أنها ترفع حواجز مكانية اذ الفروقات المكانية قد تزول بفعل الموضوعات الأنسانية والعاطفية كزواج (حسن  ) بفتاة انجليزية(جيني  ) في رواية "كنة اته خان".حينئذ تظهر لدينا ايديولوجية انسانية وعاطفية بدل الأيدولوجيات الفكرية والسياسية.لهذا على الرغم من ان گەلاوێژ،منذ نشأتها البدائية،وبتأثير عائلتها ومناخ كردستان السياسي العام، عاشت وترعرعت في ربوع الفكر السياسي الا انها تحب، بل تفضل الأنسانية على الأيديولوجية السياسية.وهذا يعني ان تجريبيتها تصدر عن تصور انطولوجي اذ ترى أن رؤية الرواية هي رؤيتها للوجود وان موضوعات رواياتها لها وجود سابق ولاتتعلق بالكيان والذوات الكردية فقط.وفي سياق هذا التحفيز الأنطولوجي، الذي يربط الرواية بالوجود الموضوعاتي ،تتحدد وظيفة الرواية الرؤيا كتساؤل وليس فقط موقف ايديولوجي او سياسي معين.من هنا تفتح امام القاريء أفقا جديدا ألا وهو أفق الأفتراضات والعوالم الممكنة التي ترمز الى الكشف وهو عند  بول ريكور( 1913 – 2005) يسمى ب هيرمينوطيقا عالم النص وذلك لوجود أفق الأحتمالات والتفسيرات المتنوعة.من هذا المنطلق ان تجريبية گەلاوێژ هي ليست مجرد لعب شكلي او موضوعي بل أنها استعارة العالم المجهول ونقله الى العالم التصوري الممكن .فعلى سبيل المثال ان التجريبية،كوعي انطولوجي،في روايتها "على اجنحة العنقاء "تبين قدرة الذات في صيرورة الجدل السياسي وتناقضاته اللامنتهية بحثا عن وجود الذات  الحقيقية وليس انشطارها في ضوء ممارسات التجاوزات السياسية والفكرية.وان النتيجة هي انتصار يوتوبيا الأنسان على كرنفالية التزييف السياسي العالمي .لهذا ان رواياتها التجريبية تقوم على توظيف البناءات والأحلام المستقبلية وذلك عن طريق تجريبية الأحساس والمشاعر.وأخيرا من حقنا ان نقول بأن معايير تجريبية گەلاوێژ تتضح من خلال ابتكار وقائع متخيلة غير الوقائع التي تجري فيها أحداث الروايات والقصص التقليدية.وهذا مايدفعنا الى الرأي بأن الروايات التجريبية تدخل فضاءات النص المفتوح،اذ ينفتح الباب على كل الموضوعات بأختلاف مضامينها وهي نصوص مركبة من التعابير اللغوية المختلفة مع الأحتفاظ بتعددية الطبقات الأجتماعية.بتعبير اخر،ان النص الأدبي،كما اشار اليه ايزر( 1926 – 2007)، هو مزيج من الواقع وانواع التخييل،فهو يولد تفاعلا بين المعطى والمتخييل وان تخييلية روايات گەلاوێژ تكتسب مادتها من مجموعة من الأفعال التخييلية كألانتقاء مثلا،حيث يلجا النص الروائي الى مجموعة من الأمور الواقعية كالأجتماعية والفكرية والسياسية والثقافية.هنا ان الأنتقاء ،كفعل تخييلي،لايرتبط فقط بالعناصر الأجتماعية او الواقع السياسي بل يعود ايضا الى أنساق تأريخية التي لها حضور في ازمنة الحاضر والمستقبل كما نجد في روايتها بعنوان"نحو كهف الشجعان" .